منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السواعدة jo

اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نرجو ان تتمتع في منتدانا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية» The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. محمد السواعده




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 07/04/2012

عوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية» The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical Empty
مُساهمةموضوع: عوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية» The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical   عوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية» The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical Emptyالخميس سبتمبر 12, 2013 12:29 am

بسم الله الرحمن الرحيم
دعوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية»
The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical Assessment
إعداد الدكتور محمد محمود فلاح السواعده. أستاذ مساعد/ تخصص التفسير وعلوم القرآن. جامعة الطائف-كلية الشريعة والأنظمة- قسم الثقافة الإسلامية.
بحث منشور في مجلة (حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات – بالإسكندرية
المجلد الثاني / العدد الثاني والعشرون 2012م. الصفحات من 261 - 310

ملخص الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة الروايات الواردة في المصادر التفسيرية حول ما ادعي من تحريف عبد الله بن أبي سرح للقرآن الكريم بأسلوب علمي تركز حول جانبي السند والمتن، وجمع بين النقل والعقل.
وفي هذا الإطار جاءت الدراسة لتؤكد على ضرورة استخلاص منهج علمي في التفسير؛ يتخذ من العبارة القرآنية منهلاً صافياً لا تكدره الأقوال والآراء، ومن السنة الصحيحة بيانا شافيا لا يختلط بالإسرائيليات والموضوعات.

This study aims at examining allegations circulated in books of Koranic exegesis claiming that Abdullah ibn Abi Sarh distorted the Holy Quran. The approach followed is a scientific one combining an examination of not only the narrative authority (sanad) and the body of the texts concerned (matn) but also of handed-down traditions (naql) and critical analysis (‘aql). In this context, the study stresses the need to articulate a scientific approach in exegesis that is grounded in the Quranic expression that has not been adulterated by biased views and tendentious theses as well as in the true sunna that pays no attention to Jewish interpretations and other falsifications.


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد إلا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن أصحابه والتّابعين، ومن اتّبع سبيلهم إلى يوم الدّين. وبعد:
فلم تحظ أمة في الدنيا بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية ويرتقي بفكرها؛ من هذا الكتاب العظيم الذي فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غلفاً، وضمن للإنسانية إن هي تمسكت به الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم، فتجلّت مكانته السّامقة في حفظه من كلّ تحريف أو تبديل، وصدق فيه قوله سبحانه: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل ..... وأهمية القرآن منوطة بمعرفة علومه، ومرهونة بفهم تنزّلاته، وطرائق جمعه وكتابته وحفظه، وكيفيّة رسمه ووجوه إعجازه، ومناهج تفسيره وفهمه كما فهمه أئمة السلف الصالح الذين بذلوا أقصى جهدهم في استنطاق عباراته وتفسيره، واستنباط آياته وما يحتويه من الأحكام والشرائع والعبر والعظات.
إلا أن ما وقع للمسلمين في تاريخهم من اختلاف وافتراق وتنازع وتصارع خلال عصور الانحطاط؛ أوجد جانباً من الإرث التفسيري البعيد عن هدايات القرآن الكريم ومقاصده، طمست فيه كثير من الحقائق، ولف الغموض وجهه ومظاهره، مما حدا بالشيخ الذهبي أن يقول:
"وكان من بين المسلمين مَن أهمل هداية القرآن، وركب رأسه فى طريق الغواية، فَلم ينهج هذا المنهج الواضح القويم الذى سلكه سَلَفه الصالح فى فهم القرآن الكريم والأخذ به، فأخذ يتأوَّل القرآن على غير تأويله، وسلك فى شرح نصوصه طريقاً ملتوية، فيها تعسف ظاهر وتكلف غير مقبول، وكان الذى رمى به فى هذه الطريق الملتوية التى باعدت بينه وبين هداية القرآن، هو تسلط العقيدة على عقله وقلبه، وسمعه وبصره، فحاول أن يأخذ من القرآن شاهداً على صدق بدعته، وتحايل على نصوصه الصريحة لتكون دعامة يقيم عليها أصول عقيدته ونزعته، فحرَّف القرآن عن مواضعه، وفسّر ألفاظه على تحمل ما لا تدل عليه، فكان من وراء ذلك فتنة فى الأرض وفساد كبير" .
مما ألقى على عاتق العلماء اليوم واجب الدعوة إلى الرجوع لمنهله العذب ومورده الصافي وحده دون التعثر بما تراكم حوله من الأقوال والآراء ومساواتها به، لأن "القرآن وحده سبب الهداية والعمدة في الدعاية، وما تراكم عليه وتجمع حوله من آراء الرجال واستنباطاتهم ونظرياتهم؛ ينبغي ألا نعول عليه كوحي، وإنما نستأنس به كرأي، ولا نحمله على أكفنا مع القرآن في الدعوة إليه وإرشاد الأمم إلى تعليمه، وتفسيره وإضاعة الوقت فيه .
ولعل ما يتعلق بالصحابي عبد الله بن أبي سرح من روايات تفسيرية يعدُّ أنموذجاً واضحاً لتلك المظاهر السلبية من التقول على الله لنصرة فكرة أو الثأر لمذهب، ومن ثَمّ جاءت فكرة هذا البحث الذي حاول نفض الغبار عن جانب من الحقيقة حول هذا الموضوع.
حدود الدراسة
تتضح حدود الدراسة من خلال مجموع المصلحات المضمنة في عنوانها الموسوم بـ }دعوى تحريف ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير دراسة نقدية{ لذا فإن الدراسة ستتحدد بالاقتصار على ما يأتي:
1- عرض ما يتعلق بابن أبي سرح من جانب التحريف المزعوم للقرآن الكريم فحسب.
2- مناقشة روايات التحريف المزعومة في المصادر التفسيرية دون غيرها من مصادر السيرة والتاريخ والتراجم.
أهداف الدراسة
1- إبراز المنهج القويم في مناقشة ما ورد من روايات تدعي افتراء ابن أبي سرح على الله تعالى وتحريفه للقرآن الكريم.
2- عرض الروايات التي تطعن بسلامة القرآن الكريم فيما يختص بابن أبي سرح وقياسها بمقياس المحدثين وتحكيم ضوابط الجرح والتعديل فيها.
3- إثبات براءة ابن أبي سرح مما نسب إليه وإبطال التهم المتعلقة بتحريفه للقرآن الكريم.
4- الدعوة إلى تنوير الأذهان وتوسيع التفكير لدى الأفراد والمؤسسات المختلفة حول أهمية مراجعة الإرث التفسيري وتنقيته مما علق به من شوائب والعودة به إلى منهج السلف الصالح للاغتراف من القرآن الكريم من دون حواجز.
أهمية الدراسة ومبرراتها
لم يجد المستشرقون والحداثيون والحاقدون على الإسلام وأهله سبيلاً لإثارة الشبه والشكوك في الإسلام وكتابه ونبيه والصحابة الكرام؛ أسهل طريقاً ولا أسرع قبولا عند العامة والمثقفين من دراسة شخصية عبد الله بن أبي سرح والتركيز على ما ورد من أخبار تفيد أنه كان يعبث بوحي الله، فبذلوا جهداً ضخما في سبيل ذلك، وألقوه هنا وهناك على شكل مواد وشعارات للدفاع عن حقوق الإنسان تارة، ونسج حكايات وروايات قصصية ودراسات أدبية تارة أخرى .
وقد اقتضى ذلك تخصيص ردٍّ علمي متأنٍ يتناول جانب التحريف المزعوم بقواعده وسُقُفه، وهو ما تأمل هذه الدراسة القيام به، مما يشير لأهمية موضوعه ويسوغ طرح مباحثه ودراستها.
الدراسات السابقة.
ليس هناك دراسة اختصت في مناقشة دعوى تحريف ابن أبي سرح للقرآن الكريم في روايات المفسرين على شاكلة العمل الذي شرعت الدراسة بطرحه، ولكن هناك دراسة وجدتها على شبكة (الإنترنت) في موقع الجامع دون ذكر لاسم الباحث، وهي جهد مشكور في بابها، تطرق فيها إلى الروايات ونقدها وبطلان القصة بكاملها دون التعرض لسائر مباحث هذه الدراسة ومسائلها، وقد أفدت منها في بناء (المبحث الثالث) فيما يتصل بجوانب الحكم على الروايات وردها.
منهج الدراسة
تقوم هذه الدراسة على المنهج الاستقرائي النقدي؛ وذلك بتتبع روايات المفسرين المتصلة بدعوى تحريف عبد الله بن أبي سرح للقرآن الكريم ونقد أسانيدها ثم نقضها عقلاً ونقلاً وردها وفق ميزان النقد العلمي الدقيق.
خطة الدراسة
اشتملت هذه الدراسة على ملخص ومقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة كالآتي:
أولاً: ملخص الدراسة باللغة العربية والإنجليزية.
ثانياً: المقدمة، واشتملت على ما يأتي:
1- حدود الدراسة.
2- أهداف الدراسة.
3- أهمية الدراسة ومبرراتها.
4- الدراسات السابقة.
ثالثاً: التمهيد، واشتمل على ما يأتي:
1- ترجمة عبد الله بن أبي سرح
2- المفسرون السابقون والأخبار الضعيفة
رابعاً: مباحث الدراسة
المبحث الأول: روايات المفسرين في تحريف ابن أبي سرح
المبحث الثاني: مجمل القصة والمنهج الأسلم
المبحث الثالث: نقد روايات القصة حديثياً
المبحث الرابع: نقض قصة التحريف
الخاتمة وتشتمل على النتائج والتوصيات.


أقدم بين يدي هذه الدراسة مدخلاَ يشتمل على أمرين؛ أولهما: نبذة عن حياة عبد الله بن أبي سرح  بما يسمح به المقام، وثانيهما: اعتذار واجب عن علمائنا السابقين الذين تسللت إلى كتبهم روايات غير مقبولة، ففضلهم لا ينكر إذ أنهم اختصروا علينا مسافات شاسعة، وأوصلوا لنا مسائل التفسير وأصوله وعلوم القرآن بكل أشكاله لنختار منها ما يتفق وسائر حقائق الدين دون زيادة عناء أو تجشم صعاب، وقد جاء هذا الجانب تحت عنوان: (المفسرون السابقون والأخبار الضعيفة) كما سيأتي.
الفرع الأول: ترجمة عبد الله بن أبي سرح
هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أبو يحيى القرشي العامري أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، كان قد أسلم قبل الفتح وهاجر، وقيل كان يكتب الوحي لرسول الله  ثم ارتد مشركا وأزله الشيطان، فأهدر النبي  دمه، ثم استأمن له عثمان فأمَّنه النبي  وحسن إسلامه .
وهو صحابي جليل وله رواية وحديث، نال ثقة الخلفاء الراشدين فولاه الفاروق أيام خلافته الصعيد، كما ولي مصر لعثمان ، وكان أميراً وقائداً على الجيوش التي فتحت أفريقيا، وإدارياً بارعاً، وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص، وتولى بناء أول أسطول إسلامي وقيادته حيث أنهى سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط في معركة ذات الصواري الشهيرة سنة أربع وثلاثين.
ولما اشتعلت نار الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما اعتزلها، ثم خرج إلى الرملة في فلسطين، فلما كان عند الصبح قال: اللهم اجعل آخر عملي الصبح فتوضأ ثم صلَّى فسلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه، وكان ذلك في سنة تسع وخمسين على ما رجحه ابن حجر، وقيل: في خلافة علي  سنة ست وثلاثين .
قال عنه الإمام الذهبي: "لم يتعدَّ ولا فعل ما يُنقم عليه بعدها – أي: بعد فتح مكة- وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم " .
الفرع الثاني: المفسرون السابقون والأخبار الضعيفة
تعدُّ ظاهرة انتشار الإسرائيليات والروايات الضعيفة في التفاسير القديمة مشكلة متجذرة وصفة غالبة لها، إذ لم يسلم منها سوى القلة القليلة، ولعل ذلك نابع من اختلاف التخصص؛ ففي علم الشريعة هناك المفسرون والمحدثون والفقهاء والأصوليون والمؤرخون والمختصون في الإلهيات (علم العقيدة) وفروع كل منها ..الخ، وكُل أعلم باختصاصه، فالمُفسِّر يجمع الأخبار والروايات، والمُحدِّثُ ينقّحها وينقدها ويقبل المقبول منها ويرد المردود، والفقيه يفيد من علومهما وهكذا.
كما أن المفسرين قد اعتنوا بنقل كل ما قيل حول الآية وموضوعها؛ فذكروا الأقوال والآراء المتوافقة والمتناقضة، وأوردوا الأخبار والآثار القوية والواهية، ليس جهلاً منهم بدرجة صحتها؛ وإنما حرصاً منهم على إيصالها لمن يريد معرفة كل شيء حول الآية ولو كان مردوداً، فهم كما شبههم محب الدين الخطيب "كمثل رجال النيابة (القضاء) الآن، إذا أرادوا أن يبحثوا في قضية، فإنهم يجمعون كل ما تتصل إليه أيديهم من الأدلّة والشواهد المتصلة بها مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه، اعتماداً منهم على أن كل شيء سيقدر قدره" .
لأجل هذا السر نجد الطوفي المفسر يعتذر عن المفسرين في ملء تفاسيرهم بالإسرائيليات "بان كثيراً من المفسرين قد دونوا من الإسرائيليات ما يظنون به أن له نفعا لتبين بعض النواحي في أنباء القرآن الحكيم، من معارف عصرهم، المتوارثة من اليهود وغيرهم، تاركين أمر غربلتها لمن بعدهم من النقاد، حرصا على إيصال تلك المعارف إلى من بعدهم، لاحتمال أن يكون فيها بعض فائدة في إيضاح ما أجمل من الأنباء في الكتاب الكريم، لا لتكون تلك الروايات حقائق في نظر المسلمين، يراد اعتقاد صحتها والأخذ بها على علاتها بدون تمحيص، فلا تثريب على من دون الإسرائيليات بهذا القصد"
فهم يعتنون بالنقول الواهية والمردودة أملاً في تحقيق فائدة، كمعرفة ميول الرواة واتجاهاتهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" ..لكن هذا ينتفع به كثيراً في علم أحوال الناقلين، أي نزعاتهم والجهة التي يحتمل أن يتعصَّب لها بعضهم، وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ، وبالحديث المرسل ونحو مثل ذلك، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار مالا يصلح لغيره، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره" .
ثم إنهم اكتفوا بإثبات الإسناد ليحكم عليه من يراه، قال ابن حجر: "أكثر المحدثين في الأعصار الماضية –من سنة مئتين وهلمَّ جرَّا– إذا ساقوا الحديث بإسناده، اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته".
ومن ناحية أخرى فإن المفسرين اعتمدوا على كثير من نقول المؤرخين ورواياتهم وقدموها على ضوابط المحدثين وقواعدهم لتوسعهم في نقل تفاصيل الوقائع والأحداث، لذا فالمفسر ابن عاشور عندما عرض قصة تحريف ابن سرح هذه ردها قائلاً:
"هذا من نقل المؤرخين وهم لا يعتد بكلامهم في مثل هذا الشأن، لا سيما وولاية عبد الله ابن أبي سرح الإمارة من جملة ما نقمه الثوار على عثمان، وتحامُل المؤرخين فيها معلوم لأنهم تلقوها من الناقمين وأشياعهم" .
ومما هو معلوم أن "الروايات التاريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تُعامل معاملة الأحاديث، بل تم التساهل فيها" .
وفي الجملة فإن المفسرين القدماء قد بذلوا جهداً غير مسبوق في خدمة التفسير وعلوم القرآن وفق ما اشتهر به عصرهم من تقعيد ومقدمات ونقل وجمع، وتقديمه لمن يريده دون الاقتصار على الصحيح من الروايات؛ ليتسنى للمطلع المقارنة بينها والنظر في إسنادها وبالتالي نقدها والإفادة منها، وهو ما ينبغي أن يقوم به علماء العصر.
المبحث الأول: روايات المفسرين في تحريف ابن أبي سرح للقرآن الكريم
تكررت قصة تحريف ابن أبي سرح للقرآن الكريم في أغلب التفاسير، وهي تتفق في الخطوط العامة لهذه القصة مع وجود نوع من الاختلاف في بعض التفاصيل، وربما تكرر المتن واختلف السند أو العكس، لذا سيتكرر ذكر بعض الروايات، كما ستقتصر الدراسة على بعض هذه المصادر مرتبة حسب الأقدم تاريخيا كالآتي:
أولاً- تفسير الطبري
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ ، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخي بني عامر بن لؤي، كان كتب للنبي ، وكان فيما يملي عزيز حكيم، فيكتب غفور رحيم، فيغيره ثم يقرأ عليه كذا وكذا لما حوَّل فيقول نعم سواءٌ، فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه عزيز حكيم فأحوِّله، ثم أقرأ ما كتبت فيقول نعم سواء، ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي  بمرّ .
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي:ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآية ﭼ الأنعام: ٩٣. قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح؛ أسلم وكان يكتب للنبي  فكان إذا أملى عليه سميعًا عليمًا كتب هو عليمًا حكيمًا، وإذا قال عليمًا حكيمًا كتب سميعًا عليمًا، فشكّ وكفر، وقال إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله؛ قال محمد سميعًا عليمًا فقلت أنا عليمًا حكيمًا فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجُدِعت أذن عمار يومئذ، فانطلق عمار إلى النبي  فأخبره بما لقي والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي  أن يتولاه، فأنزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه: ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼ النحل:١٠٦ .
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله: ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵﭼ الأنفال: ٧١، قال: ذكر لنا أن رجلا كتب لنبي الله  ثم عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكة، ثم قال: ما كان محمد يكتب إلا ما شئت! فلما سمع ذلك رجل من الأنصار نذر لئن أمكنه الله منه ليضربنه بالسيف، فلما كان يوم الفتح؛ أمَّن رسول الله  الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومِقْيَس بن صُبابة ، وابن خطل، وامرأة كانت تدعو على النبيّ  كل صباح، فجاء عثمان بابن أبي سرح وكان رضيعه أو أخاه من الرضاعة فقال: يا رسول الله، هذا فلان أقبل تائبًا نادمًا، فأعرض نبي الله ، فلما سمع به الأنصاريّ أقبل متقلدًا سيفه، فأطاف به وجعل ينظر إلى رسول الله  رجاء أن يومئ إليه، ثم إن رسول الله  قدّم يده فبايعه فقال: أما والله لقد تلوَّمتك فيه لتوفي نذرك، فقال: يا نبيّ الله إنيّ هِبْتك فلولا أوْمضت إليّ، فقال: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض .
حدثني ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح عن الحسين عن يزيد عن عكرمة والحسن البصري قالا في سورة النحل ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ...الآيةﭼ النحل: ١٠٦ ، ثم نسخ واستثنى من ذلك، فقال: ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ النحل١١٠
وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله ، فأزلَّه الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به النبيّ  أن يُقتل يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو فأجاره النبيّ  .
ثانياً- تفسير ابن أبي حاتم
حدثنا أبي ثنا ابن نفيل الحراني ثنا مسكين بن بكير عن معان رفاعة قال: سمعت أبا خلف الأعمى قال: كان ابن أبي سرح يكتب للنبي  الوحي، فأتى أهل مكة فقالوا: يا ابن أبي السرح كيف كتبت لابن أبي كبشة القران؟ قال: كنت اكتب كيف شئت، فأنزل الله تعالى: ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣. قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي، أسلم وكان يكتب للنبي  فكان إذا أملى عليه سميعا عليما؛ كتب عليما حكيما، وإذا قال عليما حكيما؛ كتب سميعا عليما، فشك وكفر وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحى إلي.
قوله: ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآية ﭼ الأنعام: ٩٣
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني ثنا الوليد بن مسلم حدثنا محمد بن سعيد بن بشير عن قتادة قال: قال الله تبارك وتعالى: ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭼ الأنفال: ٧١ قال: إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي  الوحي، فنافق فلحق بالمشركين بمكة وقال: واله إن كان محمد لا يكتب إلى ما شئت، فسمع بذلك رجل من الأنصار حلف لئن أمكنه الله منه ليضربه ضربة بالسيف، فلما كان يوم فتح مكة جاء به عثمان بن عفان وكانت بينهما رضاعة فقال: يا رسول الله هذا عبد الله قد أقبل نادما فاعرض عنه واقبل الأنصاري معه سيف فطأطأ به ثم مد رسول الله  يده ليبايعه، وقال للأنصاري: لقد تلومت به اليوم، فقال الأنصاري فهلا أومضت؛ قال: لا ينبغي لنبي أن يومض .
حدثنا أبي ثنا بن نفيل الحراني ثنا مسكين بن بكير عن معاذ بن رفاعة قال: سمعت أبا خلف الأعمى قال: كان ابن أبي سرح يكتب للنبي  الوحي، فأتى أهل مكة فقالوا: يا ابن أبي سرح كيف كتبت لابن أبي كبشة القران؟ قال: كنت اكتب كيف شئت، فأنزل الله تعالىﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ .
ثالثاً- أسباب النزول للواحدي
قوله تعالى ﭽﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ..الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد تكلم بالإسلام فدعاه  ذات يوم يكتب له شيئاً فلما نزلت الآية التي في المؤمنين ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ...الآياتﭼ المؤمنون: ١٢ - ١٤ أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ المؤمنون: ١٤؛ عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله  هكذا أنزلت علي فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال، وذلك قوله: ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ... الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ وارتد عن الإسلام، وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن يعقوب الأموي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني شرحبيل بن سعد قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح قال: ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ وارتد عن الإسلام فلما دخل رسول الله  مكة أتى به عثمان رسول الله  فاستأمن له.
رابعاً- تفسير البغوي
قوله تعالى: ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ قيل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان قد أسلم وكان يكتب للنبي  وكان إذا أملى عليه: سميعا بصيرا، كتب عليما حكيما، وإذا قال: عليما حكيما، كتب: غفورا رحيما، فلما نزلت: ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ...الآياتﭼ المؤمنون: ١٢ – ١٤ أملاها عليه رسول الله  فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال النبي : اكتبها فهكذا نزلت، فشكّ عبد الله وقال: لئن كان محمد صادقا فقد أوحي إليّ كما أوحي إليه، فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، ثم رجع عبد الله إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي  بمر الظهران .
وقال الحسن وعكرمة: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان يكتب للنبي  فاستزله الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر النبي  بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له عثمان، وكان أخاه لأمه من الرضاعة، فأجاره رسول الله  ، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه، فأنزل الله هذه الآية .
خامساً- تفسير الزمخشري
وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ ( هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي، كان يكتب لرسول الله ، فكان إذا أملى عليه سميعاً عليماً كتب هو عليماً حكيماً، وإذا قال عليماً حكيماً كتب غفوراً رحيماً ، فلما نزلت: ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ...الآياتﭼ المؤمنون: ١٢ - ١٤ ، عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال اكتبها فكذلك نزلت، فشك عبد الله وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إليّ مثل ما أُوحي إليه، ولئن كان كاذباً فلقد قلت كما قال، فارتدّ عن الإسلام ولحق بمكة، ثم رجع مسلماً قبل فتح مكة .
وروي : أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي ، فنطق بذلك قبل إملائه، فقال: له النبي : (اكتب هكذا نزلت) فقال عبد الله: إن كان محمد نبياً يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليّ، فلحق بمكة كافراً ثم أسلم يوم الفتح .
سادساً- تفسير الرازي
قوله: ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣.. وروي أيضاً أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب الوحي للرسول  فلما نزل قوله ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ...الآياتﭼ المؤمنون: ١٢ – ١٤ أملاه الرسول ، فلما انتهى إلى قوله: ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ المؤمنون: ١٤. عجب عبد الله منه فقال: فتبارك الله أحسن الخالقين، فقال الرسول هكذا أنزلت، فسكت عبد الله وقال: إن كان محمد صادقاً فقد أوحى إلي، وإن كان كاذباً فقد عارضته، فهذا هو المراد من قوله ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ الأنعام: ٩٣
قوله ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ النحل: ١١٠... وقيل نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ارتد فلما كان يوم الفتح أمر النبي  بقتله فاستجار له عثمان  فأجاره رسول الله ، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه .
روى الكلبي عن ابن عباس أن عبدالله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب هذه الآيات لرسول الله  فلما انتهى إلى قوله تعالى ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ المؤمنون: ١٤. عجب من ذلك فقال ﭽفَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَﭼ فقال رسول الله  ( اكتب فهكذا نزلت ) فشك عبدالله وقال إن كان محمد صادقاً فيما يقول فإنه يوحى إلي كما يوحى إليه وإن كان كاذباً فلا خير في دينه فهرب إلى مكة فقيل إنه مات على الكفر وقيل إنه أسلم يوم الفتح
سابعاً- تفسير القرطبي
قوله تعالى: ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ الأنعام: ٩٣..والمراد عبدالله بن أبي سرح الذي كان يكتب الوحي لرسول الله ، ثم ارتد ولحق بالمشركين.
وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت الآية التي في "المؤمنون" : قوله ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ... الآياتﭼ ١٢ – ١٤. دعاه  فأملاها عليه؛ فلما انتهى إلى قوله ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ المؤمنون: ١٤. عجب عبدالله في تفصيل خلق الإنسان فقال: تبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فقال رسول الله : هكذا أنزلت علي، فشك عبدالله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال، فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، فذلك قوله: ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ الأنعام: ٩٣ رواه الكلبي عن ابن عباس.
وذكره محمد بن إسحاق قال حدثني شرحبيل قال : نزلت في عبدالله بن سعد بن أبي سرح ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ الأنعام: ٩٣ ارتد عن الإسلام، فلما دخل رسول الله مكة أمر بقتله وقتل عبدالله بن خطل ومقيس بن صبابة ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، ففر عبدالله بن أبي سرح إلى عثمان ، وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان، فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله  بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له؛ فصمت رسول الله  طويلا ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال رسول الله : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه، فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلى يا رسول الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين .
قوله تعالى : ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼالنحل: ١١٠ وقيل: نزلت في ابن أبي سرح، وكان قد ارتد ولحق بالمشركين فأمر النبي  بقتله يوم فتح مكة، فاستجار بعثمان فأجاره النبي ، ذكره النسائي عن عكرمة عن ابن عباس. قال في سورة النحل ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ...الآيةﭼ النحل: ١٠٦
فنسخ واستثنى من ذلك فقال : ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ النحل: ١١٠ وهو عبدالله بن سعد بن أبي سرح الذي كان على مصر، كان يكتب لرسول الله  فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله  .
ملحوظات على هذه الروايات
هذا، وسيأتي ما يفند دعوى التزوير المزعوم في هذه الروايات التفسيرية ويبطله، كما سيأتي نقدها رواية ودراية بعد قليل متتابعا، لكن ما تشير إليه الدراسة –الآن- ما يأتي:
- أن بعض المفسرين الذين تقدمت رواياتهم قد حكموا ببطلانها تلميحا أو تصريحا، أما التلميح فكقول القرطبي بعد ذكرها (رواه الكلبي عن ابن عباس) ، وأما التصريح؛ فكقول الرازي: (وهذه الرواية إنما تصح لو جعلنا هذه السورة مدنية أو جعلنا هذه الآية منها مدنية ويحتمل أن يكون المراد أن أولئك الضعفاء المعذبين تكلموا بكلمة الكفر على سبيل التقية فقوله ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ النحل: ١١٠يحتمل كل واحد من هذه الوجوه الأربعة، وليس في اللفظ ما يدل على التعيين)
- أنه يستحيل تصديق بعض ما قيل في هذه الروايات، لأنه حينئذٍ أشبه بالانتحار العقلي الذي لا يبقي على حق أو حقيقة، ومثاله ما ذكره الرازي عن ابن أبي سرح بقوله: ".. فهرب إلى مكة فقيل إنه مات على الكفر .." ، فكيف تستحق هذه العبارة النقل وقد تواترت أخبار حكمه وأيامه وانه مات مسلماً مجاهداً معتزلاً للفتن؟ فهو لم يكن في الظل، بل عاش قائداً مشهورا عند المسلمين وغيرهم، حسن السيرة لم يبدل أو يغير كما تقدم في ترجمته.
المبحث الثاني: مجمل القصة والمنهج الأسلم في التعامل معها
المطلب الأول: مجمل القصة في كتب التفسير
هذا ما يتردد في بطون كتب التفسير حول قصة عبد الله بن أبي سرح، فالأعم الأغلب من هذه التفاسير أنها قد تناولت القصة ضمن خطوط مشتركة مع وجود بعض التفاوت في عباراتها، لكنها في الجملة تشير إلى أنه أسلم قبل الفتح وكان يكتب القران للنبي ، فإذا أملاه عليه كتب شيئًا آخر خلاف ما أملي عليه، فإذا قال النبي  سميعًا عليمًا كتب هو عليمًا حكيمًا، وإذا أملى عليه عزيزٌ حكيمٌ كتب غفورٌ رحيمٌ.
ثم سبق لسانه مرة إلى عبارة رددها قبل أن يمليها عليه ، وهي قوله تعالى: ﭽفَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَﭼ المؤمنون:١٤ فإذا بالوحي المنـزل يصدقه فيها كما نطقها تماماً، فقال له النبي : هكذا أنزلت، فأزله الشيطان وداخله الشك، فارتد ولحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، وهو الأمر الذي لأجله جدعت أذن عمار.
وكان يحدث عند قريش أنه كان يتصرف في الوحي كيف شاء، ويقره النبي على تحريفه دون تعديل أو تصحيح، من أجل ذلك أنزل الله تعالى فيه ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ...الآيةﭼ الأنعام: ٩٣ ، فلما دخل رسول الله  مكة فاتحاً؛ كان أحد القلائل الذين أمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة، وبالرغم من توبته قبل الفتح؛ إلا أنه فر إلى أخيه من الرضاعة عثمان ، وهو الذي بدوره أخفاه حتى اطمأن أهل مكة واستقر الوضع، فاستأمن له عند النبي فتأخر  طويلا رجاء أن يقوم إليه من يقتله، لكنه الأمر الذي لم يحصل.
ثم إن عبدالله تاب الله عليه وحسن إسلامه ولم يظهر منه ما ينكر عليه بعد ذلك، وفيه نزل: ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ النحل: ١١٠
هذا جملة ما قيل عنه في بعض التفاسير بشأن تحريفه القرآن وأنه كان سبب ارتداده.
المطلب الثاني: الإعراض عن تلك الروايات منهج قويم
إن من المفسرين الذين رووا قصة ابن سرح في تفاسيرهم من نبه على وهن هذه القصة، بأن ذكر موضع العلة في الإسناد -مثلاً- كقولهم (رواه الكلبي عن ابن عباس) فقد تكررت هذه العبارة في أسباب النزول للواحدي وفي تفسير كل من الرازي والقرطبي من بين من نقلنا رواياتهم من المفسرين.
لكن من جهة أخرى هناك من المفسرين من لم يكن ابن أبي سرح معنيا عنده في الآية، كابن كثير الذي لم يزد على أن قال في سبب نزول آية الأنعام: "قَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ الأنعام: ٩٣ أَيْ وَمَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ يُعَارِض مَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْوَحْي مِمَّا يَفْتَرِيه مِنْ الْقَوْل" ، وبعضهم الآخر أهمل ذكر هذه الروايات بالكلية كالسعدي في تفسيره، بل إن بعضهم نقد هذه الروايات ورفضها وردها، كابن تيمية، والقاضي عياض، وملا حويش وابن عاشور، ورشيد رضا، ودروزة، وغيرهم، وقد أثبتت الدراسة ردودهم في مواضعها .
المبحث الثالث: نقد روايات القصة حديثياً
المطلب الأول: أسانيد هذه الروايات
لا شك أن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثم ارتد، وأن فترة إسلامه قصيرة جداً ، بيد أن ما يتردد في أغلب كتب التفسير من روايات تفيد أن عبد الله بن أبي سرح كان يحرِّف كلام الوحي، ويبتدع فواصل للآيات حسب ما يراه هو، ويوافقه الرسول ؛ أمر يتلاشى تماما أمام النقد والتحقيق العلميين، إذ أن كل مرويات هذه القصة مراسيل أسقط منها اسم الصحابي، ورويـت بأسانيد غير متصلة أو لا وجود لها في كتب الحديث.
والحديث المرسل يعدُّ أحد أقسام الضعيف في قول جمهور المحدثين كما قال ابن الصلاح: "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم" ‏.‏
أما أسانيد هذه الروايات فإنها تنتهي إلى كل من السُدِّي وأبي خلف الأعمى وشرحبيل بن سعد وغيرهم، وما انتهى منها إلى صحابي ففي سلسلة إسنادها مشكلة، كتلك التي رويت عن ابن عباس  فعندئذ لا يبحث عن حاله، فالصحابة كلهم عدول، لكن تكمن المشكلة في رواية ابن عباس -هنا- في سلسلة السند الذي نسب الرواية إليه ، فقد جاءت رواية هذه القصة عنه من طريق الكلبي كما شاهدنا في روايات بعض المفسرين ، فما حال الكلبي؟ سنتبين ذلك بالإضافة لحال جميع ما انتهى إليه إسناد هذه الروايات من القائمة الآتية:
1- الكلبي
الكلبي شيعي بل رافضي اعترف بأنه يكذب، وبأنه من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي.
فقد كان ليث بن أبى سليم يقول، بالكوفة كذابان: الكلبي وذكر آخر معه.
وسئل أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي فقال، كذب. قيل، يحل النظر فيه ؟ قال، لا.
وقال يحيى بن معين: الكلبي ليس بشي.
قال أبو حاتم: الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه .
وقال السيوطي:
" وأوهى طرقه – يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب " .
2- أبو خلف الأعمى
نزيل الموصل خادم أنس، قيل اسمه حازم بن عطاء، متروك، ورماه بن معين بالكذب ،
وقال أبو حاتم منكر الحديث ليس بالقوي، وقال ابن حبان يأتي بأشياء لا تشبه حديث الأثبات ،
وَهُوَ هَالك كما قال ابن الملقن .
3- السُديِّ الكبير
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة السدي الكوفي، تضاربت به الأقوال واختلف فيه اختلافا كثيرا، فقد "ذكره ابن حبان في الثقات وقال الطبري لا يحتج بحديثه" .
قال يحيى القطان: لا بأس به، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: في حديثه ضعف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدى: هو عندي صدوق. وروى شريك، عن سلم بن عبد الرحمن، قال: مر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر لهم القرآن، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم. وقال عبدالله بن حبيب بن أبى ثابت: سمعت الشعبي وقيل له: إن إسماعيل السدي قد أعطى حظا من علم القرآن، فقال: قد أعطى حظا من جهل بالقرآن، وقال الفلاس عن ابن مهدي ضعيف، وقال ابن معين: سمعت أبا حفص الأبار يقول: ناولت السدي نبيذا فقلت له: فيه دردي، فشربه.
وقال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما رأيت أحدا يذكر السدي إلا بخير، وما تركه أحد.
ورمي السدي بالتشيع. وقال الجوزجانى: حدثت عن معتمر، عن ليث، قال: كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي. وقال حسين بن واقد المروزي: "سمعت من السدي فما قمت حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر فلم أعد إليه، قلت: وهو السدي الكبير" .
قال ابن خلفون: وإن صح ما ذكره عنه الحسين فلا ينبغي لأحد عندي إخراج حديثه .
إذا علم هذا الاختلاف الكثير فيه؛ فلا بد من الإشارة إلى أن بعض من وثقوه أو رووا عنه لم يرتضوا تفسيره، كالإمام أحمد نفسه، لذا نقل عن أحمد رحمه الله: أنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجئ به قد جعل له إسنادًا واستكلفه .
ولو غضضنا الطرف عن شبهة اتهام السدي بالكذب أو الضعف؛ فإن اللجوء إلى سبيل الاحتياط يضطرنا هنا إلى عدم قبول روايته البتة ورفضها رأسا على عقب، وذلك لوجود تهمة التشيع التي تعدُّ مثل هذه القصة حقلا خصباً لإضافة مساحة واسعة أو نوعية تحلو لمن نحا هذا المذهب.
4- أسباط بن نصر أبو يوسف الهمداني
وعلى كل حال فإننا إن تسامحنا مع السدي واعتمدنا كلمة الموثقين له دون المضعفين؛ فإن من روى هذه القصة عنه هو أسباط بن نصر وهو ضعيف، يروي عن السدي وسماك، ضعفه أبو نعيم وقال: أحاديثه عامته سقط مقلوبة الأسانيد، وسئل عنه أحمد فقال لا أدري وكأنه ضعفه، قال النسائي: ليس بالقوى .
لذا فإن مما أنكره الذهبي على تفسير (بحر العلوم) للسمرقندي اعتماده على رواية الضعفاء ومن تكلم فيهم كالكلبي وأسباط .
5- شرحبيل بن سعد
أبو سعد الأنصاري مدني، قال يحيى القطان: لا يروى عنه. وقال ابن أبي ذئب: كان شرحبيل متهما. وقال ابن معين: ليس هو بشيء هو ضعيف. ومرة قال: ضعيف الحديث ، يكتب حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال مالك : ليس بثقة . وقال ابن عدي : وفي عامة ما يرويه إنكار .
6- أحمد بن عبد الجبار العطاردي.
ضعفه غير واحد، فقال ابن عدى: رأيتهم مجمعين على ضعفه، ولا أرى له حديثا منكرا إنما
ضعفوه لأنه لم يلق الذين يحدث عنهم. وقال مطين: كان يكذب. وقال الدارقطني: لا بأس به، قد أثنى عليه أبو كريب، واختلف فيه شيوخنا، ولم يكن من أصحاب الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال ابنه عبدالرحمن: كتبت عنه، وأمسكت عن التحديث عنه لما تكلم الناس فيه .
المطلب الثاني: القصة في كتب الحديث
ورد أصل قصة ابن أبي سرح في بعض كتب السنن بإسناد صحيح، فعَنْ سَعْد بن أبي وقَّاص  قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ  النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ ، قَالَ : وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ  النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ) فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ ( إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ  فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ  أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ  فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ .
ويلاحظ أنه ليس في هذه الروايات ما يفيد أن عبد الله بن أبي سرح كان يحرِّف الوحي، بل الوارد فيها أنه أزلَّه الشيطان وارتد وكان واحدا ممن أهدر النبي دمهم يوم الفتح، مما حمل دروزة للقول: "وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة" .
لكن من بين جميع روايات كتب السنة؛ هناك رواية أوردها الحاكم تتعلق بسبب نزول قوله تعالى: ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰﭼ. وهي الرواية ذاتها التي رأينا الواحدي قد نقلها عنه في كتابه حيث جاء ذكرها في معرض سبب نزول هذه الآية، وعلى كل فلم تشر الرواية إلى شيء من تحريف كلماتِ الوحي أولاً، كما أنها ليست صحيحة ثانيا، فقد أرسلها التابعي شرحبيل بن سعد وهو ضعيف، ورواها عنه أحمد بن عبد الجبار العطاردي وهو ضعيف -أيضا- كما رأينا قبل قليل، فاجتمع في رواية الحاكم الإرسال وضعف المُرْسِلِ وضعف الإسناد، وهذا يكفي في مناقشة هذه الرواية وردها،
أما ما يثير الدهشة والعجب، ويدعو للحيرة والاستغراب؛ تلك الإضافة التي وشح بها الحاكم هذه الرواية في مستدركه، وسأناقشها باختصار فيما يلي.
المطلب الثالث: مناقشة كلمتين للحاكم ودافعهما
الفرع الأول: عبارتا الحاكم:
أولاهما قوله :"فمن نظر في مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان  وجنايات عبد الله بن سعد عليه بمصر إلى أن كان أمره ما كان؛ علم أن النبي  كان أعرف به ".
يعني حينما أمر  بقتله، وانتظر ليقوم إليه من يقتله.
ويكفي لرد هذه العبارة معرفة سيرة ابن أبي سرح، والنظر إلى ما تقدم من ترجمته ، وأنه أسلم وحسن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ما يُنكر، وقد جاء في روايات المفسرين ذاتها في معرض بيان سبب نزول آية النحل السابقة قولهم: "ثم نسخ واستثنى من ذلك، فقال ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ النحل: ١١٠ وهو عبد الله بن أبي سرح" ، فإذا كان الله قد غفر له ورحمه وأنزل توبته في القرآن الكريم -كما هو ثابت عن ابن عباس- فلا فائدة حينئذ ولا قيمة لقول الحاكم "النبي كان أعرف به"
ثانيهما قوله: "فأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإن الأخبار الصحيحة ناطقة بأنه كان كاتبًا لرسول الله  فظهرت خياناته في الكتابة، فعزله رسول الله  فارتد عن الإسلام ".
أقول أولاً: إن كتب الآثار ومن بينها كتاب الحاكم (المستدرك) لم تتضمن رواية واحدة تدل على وصف عبد الله بما قرره آنفاً من خيانة في الكتابة، فهي عبارة غير صحيحة، تناقض الواقع والحقيقة، وتتهم الرجل بما لم تأت بما يؤيده من رواية صحيحة؛ ولا حتى ضعيفة، فلم لم يذكر لنا الحاكم رواية واحدة يثبت فيها صدق دعواه حول خيانات ابن أبي سرح؟ أو على الأقل لم خلا من إشارة إلى مواطن هذه الروايات في كتب القوم إن لم يتسن له إيرادها في كتابه؟ وإن كان لديه أخبار صحيحة تدلل على خيانات عبد الله -كما يزعم- فلم اضطر إلى إيراد رواية ليس فيها أدنى إشارة إلى بعض خياناته أو تحريفه للقرآن؟ فضلاً عن أنها رواية ضعيفة تنتهي إلى شرحبيل بن سعد كما تقدم، وهذا ما ورد في المستدرك مما يتعلق بعبد الله سوى تلك الرواية اليتيمة:
1- قال: عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: (كان عبد الله بن أبي سرح يكتب لرسول الله  فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله  أن يقتل،فاستجار له عثمان  فأجاره رسول الله ).
"صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"
2- وقال: عن مصعب بن سعد عن سعد قال: (لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان ، فجاء به حتى أوقفه على النبي  فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)
« هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه.
3- عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: (لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله  الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة؛ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح). فأين هي الأخبار الصحيحة الناطقة بخيانات عبد الله؟
أما ثانياً فما يتعلق بأنه كان كاتباً للوحي؛ فليس من غرض الدراسة -هنا- طرق هذا الجانب أو الغوص فيه، لكن مما تقتضيه الموضوعية أن أبادر ببيان أن التراجم تكاد تجمع على أنه أسلم قبل الفتح ثم ارتد وأسلم قبيل الفتح مرة أخرى ، وكونه لم يسلم حتى نهاية العام السابع للهجرة -قطعاً- أو حتى النصف الأول من عام الفتح، بدليل أنه لم يرد ذكره فيمن حضر خيبر أو مؤتة أو غيرهما من المشاهد قبل الفتح، ويستحيل على من هو مثله أن يحضر ولم يذكر أو لم يبل فيها بلاء حسناً، فهو من أهل الجهاد، وخليق بالغزو، وتستهويه الفتوحات وذو قدرة على القيادة والإمارة، وأيامه في أفريقية شاهدة على صدق ذلك، كل هذا يعني أن مدة إسلامه قصيرة جداً.
إذن فمتى أسلم ومتى كتب الوحي قبل ردته؟ فالتحقيق التاريخي والعلمي يؤكدان عدم كتابة عبد الله للوحي .
بالإضافة إلى أنه ليس جميع كتاب الرسول  هم بالضرورة كتاباً للوحي، فهناك كتاب للرسائل وغيرها مما تحتاجه الدولة من الكتابة في الشؤون المختلفة .
لكن قسوة عبارتي الحاكم، وطريقة استدلاله برواية ضعيفة في موضوع عبد الله؛ يجعلنا نتساءل عن سر اختياره لهذا المنحى تجاه هذا الصحابي، وهو ما سيشار إليه بالآتي.
الفرع الثاني: دوافع الحاكم في اتهام عبد الله
مما تقدم من تحامل الحاكم على الصحابي عبد الله بن أبي سرح بغير وجه حق؛ يضطر المطلع المنصف على مسلكه في معالجته لهذه القصة لأن يتعجب ويحتار، وهي حيرة مفضية للشك في دوافعه التي أوصلته لمثل نتائج أحكامه الصارمة في حق عبد الله، مما يجعله يؤيد ترجيح القول الذي يرى أن الحاكم يميل إلى التشيع لا غير، وإذا كنا نميل إلى ترجيح ذلك فلا بد من الاعتراف بأنه لم يكن يشتم أبا بكر وعمر ا بل يحبهما ، فهو ليس برافضي ولا غال، بل دفعه اتجاهه المذهبي إلى التحامل على بعض الصحابة واتهامهم، وتجاهل فضائل بعضهم كمعاوية ، وإخراج أحاديث مردودة في فضائل أهل البيت، وهو ما أخذه عليه المحدثون .
المبحث الرابع: نقض قصة التحريف
المطلب الأول: توجيه إقرارات الرسول باختلاف القراءات
استعرض ابن تيمية رحمه الله تعالى ما قيل من روايات في إقرار النبي  لكاتب الوحي بقوله: (كلاهما سواء) ، وناقشها بأسلوب منطقي عقلي، مستبعداً أن يكون وقع إقرار منه  لعبث أحد في ألفاظ الوحي، ولاستحالة ذلك فقد رأى أن المقصود بما روي -على افتراض صحته- ما نزل من قراءات متعددة واختلاف في اللفظ الواحد، فيقول: "والأشبه -والله أعلم- هو الوجه الأول، وأن هذا كان فيما أنزل القرآن فيه على حروف عدة، فإن القول المرضي عند علماء السلف الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه هو أحد الحروف السبعة وهو العرضة الآخرة، وأن الحروف السبعة خارجة عن هذا المصحف، وأن الحروف السبعة كانت تختلف الكلمة مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد" .
وقد تبين مما تقدم أن قصة ارتداد ابن أبي سرح صحيحة وأنه أزله الشيطان، كما تبين بطلان الروايات التي تفيد أنه كان يحرف الوحي بما لا يدع مجالاً لقبول شيء منها، وسيأتي ما يعمق ذلك ويؤيده.
المطلب الثاني: ادعاء ابن أبي سرح وهو كافر
لا يخفى أن الدخول في الإسلام كان في نظر المشركين جريمة لا تغتفر، فأراد ابن أبي سرح أن يكسب ود المشركين ليسامحوه على جريمته، وهذا افتراض منطقي لأنه كان يخشى أن يقتلوه، لذلك ابتدع فرية يتزلف بها إلى المشركين وقت أن كان مرتداً، وهو ما أشار إليه ابن تيمية بعد أن ذكر قصته بقوله:
"فوجه الدلالة أن عبد الله بن أبي السرح افترى على النبي 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عوى تحريف عبد الله ابن أبي سرح للقرآن الكريم في كتب التفسير «دراسة نقدية» The Allegation in Books of Exegesis That Abdullah Ibn Abi Sarh Distorted the Holy Koran: A Critical
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
» المبحث الأول من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
» المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
» المبحث الرابع والخاتمة والنتائج والتوصيات والمراجع والفهرس من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية" د. محمد السواعده
» من مظاهر تميز النبي صلى الله عليه وسلم د. محمد السواعده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات السواعدة jo :: مــنــتــديــات آل ســواعــده :: مــنــتــدى القبيلة :: الـــــــــــــســـــــــاحـــــــــة الــــــــــعـــــــــــامــــــــــه-
انتقل الى: