منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السواعدة jo

اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نرجو ان تتمتع في منتدانا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السنة النبوية وتجارب الاخرين د. محمد السواعده

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. محمد السواعده




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 07/04/2012

السنة النبوية وتجارب الاخرين  د. محمد السواعده  Empty
مُساهمةموضوع: السنة النبوية وتجارب الاخرين د. محمد السواعده    السنة النبوية وتجارب الاخرين  د. محمد السواعده  Emptyالأربعاء سبتمبر 11, 2013 11:31 pm


الحمد لله الذي جعل أمتنا بين العالمين وسطاً، شاهدين على أعمال الأمم قبلنا، واقفين على نهاية المسيرة البشرية، مطلعين على حضارات الأمم وثقافاتهم، فنأخذ ما ينفعها، وندع ما يضرنا، قال تعالى: ﭽﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ    ﭯ  ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵﭶ    ﭼ البقرة: ١٤٣ وجعلنا ورثة الكتاب والحكمة فقال : ﭽﭣ  ﭤ  ﭥ   ﭦ  ﭧ  ﭨ   ﭩﭪ    ﭼ فاطر: ٣٢، وخصنا بكتاب معجزٍ خالد معصوم من التحريف والتبديل، فقال :  ﭽﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ ﮛ  ﮜ   ﮝ   ﭼ الحجر: ٩ ،‏ وجعل الإسلام خاتما ومكملا للدين، فانتهت إليه ثمار شجرة النبوة الباسقة من لدن آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والصلاة والسلام على النبي الخاتم الذي أنزل على قلبه: ﭽ ﯧ  ﯨ   ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ   ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯹ   ﭼ الأحزاب:٤٠، فكانت رسالته  مكملة لمسيرة النبوة الطويلة، وجاءت خبراتها إنسانية، اشتركت فيها جميع الأمم والشعوب، وإليها انتهت أصول الرسالات السماوية جميعا، قال تعالى: ﭽ   ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ   ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊﮋ  ﮌ  ﮍ  ﮎ   ﮏ  ﮐ  ﮑﮒ    ﮣ  ﭼ الشورى: ١٣،  فكانت الرسالات جميعها جزءاً طبيعيا من تاريخها الممتد، وإذا بالبشرية كلها جماعة واحدة، قال تعالى: ﭽﭝ  ﭞ   ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ  ﭥ ﭼ الأنبياء: ٩٢ ، فبدت أمام النبوة الخاتمة صورة واضحة تشكل مصدر عبرتها واستلهامها واقتدائها، قال تعالى: ﭽﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯿ   ﭼ الأنعام:٩٠ ، ‏وبعد:
فإن السنة النبوية الشريفة نبع فياض، وبحر فضفاض؛ تزخر بالذخائر والكنوز، واللآلئ والدرر، والغوص في أعماقها لاستخراج أصدافها المكنونة، ودررها النفيسة الغزيرة، مطلب ضروري وحاجة إنسانية ملحة، نابعة من شدة الحاجة لمعرفة ملامح الهدي النبوي في النهضة وصناعة التميز وإقامة الدولة، لإعادة ما انتقض من صرح الدين والعقيدة، وتشييده على منهجية سليمة مستمدة أصولها وفروعها من الكتاب والسنة.
وقد كان منهجه  في التعامل مع ميراث الأمم والشعوب؛ منهجاً شاملاً ومتكاملاً ومتوازناً وخاضعاً لسنن الله في المجتمعات وبناء الدول والممالك، كسنة التدرج، وسنة التدافع، وسنة الابتلاء، وسنة الأخذ بالأسباب، وسنة التغيير.
والمطالع لسنته  يجد أنها غنية في كل منحى تحتاجه مسيرة البشر، شاملة لكل المعاني الإصلاحية لحياة الإنسان، أفادت من الكون بكل ما فيه، فصنعت النبل، وأجادت في التميز والإبداع فسرى ذلك فيها طبعاً وسجيةً، ولا يستطيع أحد الاستغناء عن أصول هديه مهما تغيرت الظروف، أو تقدمت المجتمعات.
بيد أننا لا نستطيع البتة فصل هذه الأوصاف الجليلة من عبقريةٍ، وعظمٍة، وتميّزٍ؛ عن دوحة النبوة الشريفة، أو نسيان ذلك الحبل المتصل المتين، والوحي القوي الأمين، وأثره العظيم في كل لحظة من حياته ، وكل حركة من حركاته، فالنبوة والنبوغ صنوان لا يفترقان.
ومن ثم تأتي هذه الدراسة لتقدم قراءة جديدة فيما يخصُ حياة رسول الله ، ولتبرز من خلالها بعض مظاهر التميز والإبداع في ميدان خطير ومسلك دقيق، ينحصر في الإفادة من تجارب الآخرين.
وبالرغم من تواضع هذه الدراسة إلا أنني بذلت بها وقتاً وجهداً كبيرين، وهو جهد -لا شكّ قليل- إذا ما قيس بما للسنة المطهرة من مكانة، وما لسيدنا رسول الله  من المقام العظيم، والشرف الرفيع، لكن هذا ما يسره الله  لي وأعانني عليه، ولعلي أكون قد أديت جزءاً من واجبي تجاه سنته، ولا أشك أن النقص والتقصير حليف البشر وجهودهم، فإن أحسنت فمن الله ، وإن أسأت فمن نفسي، وحسبي أنني قد بذلت في هذا البحث قصارى جهدي، عسى أن يكون في صالح عملي، ومنه  أستمد العون والتوفيق، و له الحمد في الأولى والآخرة.
حدود الدراسة
تتضح حدود الدراسة من خلال عنوانها وهو: السنة النبوية والإفادة من تجارب الآخرين "دلالة تميز ومظهر إبداع"، لذا فإن هذه الدراسة ستتحدد بالاقتصار على ما يأتي:
1- تناول ما يتعلق بجوانب الإفادة من تجارب الآخرين في السنة النبوية.
2- رصد مظاهر التميز والإبداع في تعامل الرسول  مع تجارب الآخرين، ثم إبراز هذه المظاهر والكشف عن جوانبها.
أهداف الدراسة
1- إبراز المنهج النبوي وتجلياته في الإفادة من تجارب الآخرين.
2- تقديم صور ونماذج تطبيقية عملية للإفادة من تجارب الآخرين في السنة النبوية.
3- بيان السبق الحضاري للسنة النبوية في مجال الإفادة من تجارب الآخرين.
4- الدعوة إلى تنوير الأذهان وتوسيع التفكير لدى الأفراد والمؤسسات المختلفة حول أهمية الإفادة من تجارب الآخرين وقبوله.
5- التأصيل الشرعي لمهارة إفادة المسلمين من تجارب الآخرين.
6- التركيز على ضرورة إعمال السنة النبوية في جوانب الإفادة من تجارب الآخرين وأهميتها الخاصة في عصرنا الحاضر (عصر تفوق الآخرين).



خطة الدراسة
اشتملت هذه الدراسة على العناصر الآتية:
- المقدمة: وتشتمل على مشكلة الدراسة، أهدافها، أهميتها ومبرراتها، الدراسات السابقة، الجديد في الموضوع.
- تمهيد، ذكرت فيه طرفاً من موقف القرآن الكريم من تجارب الآخرين، وموقف الإسلام من الآخرين، وبعض ما أقره الإسلام من أخلاق الجاهلية.
- المبحث الأول: مظاهر التميز والإبداع في السنة النبوية.
- المبحث الثاني: الإفادة من أفكار الآخرين وعلومهم
- المبحث الثالث: الإفادة من صناعات الكفار
- المبحث الرابع: الإفادة في الشؤون العسكرية
- المبحث الخامس: حكم الإفادة من علوم الكفار
- الخاتمة وتشتمل على النتائج والتوصيات.
أهمية الدراسة ومبرراتها
إن دراسة السنة النبوية والتعمق في سيرته ، يمكّن المطلع من التعرف على المخزون الحضاري الهائل، والرصيد الخلقي الكبير الذي تميز به  عن جميع البشر، والتعرف -أيضاً- على شمائله الحميدة التي عاش بها في دنيا الناس، وإن مظاهر أهمية هذه الدراسة تتبين مما يأتي:
- إن السيرة النبوية تعطي كل جيل ما يفيده في مسيرة الحياة، وهي صالحة لكل زمان ومكان، وتتحقق سعادة البشرية كلها في اتباع هداياتها ودلالاتها، وهي الأصل الثاني بعد القرآن الكريم، وهذا يقتضي من أهل العلم والتخصص إيلاءها عناية ودراسة تليقان بمقامها ومكانتها، من هنا كان بحث ما يتعلق بها من تجارب الآخرين أمراً مهماً.
- التقدم التقني المذهل لغير المسلمين، وتأخر المسلمين عن ركب الحضارة العالمية، وأهمية تجارب الآخرين على هذا الصعيد بكل صورها وأشكالها، حيث تعد  ضرورة حياة، ومتلبسة في جميع أعمال الإنسان وتعاملاته، ويستحيل الانفكاك منها إلا بمشقة، كل ذلك جعل طرق باب ما يتعلق بالإفادة من تجارب الآخرين وتجليتها من وجهة نظر الإسلام أمراً ضرورياً ومهماً.
- تقارب الزمان وتشابك الثقافات واحتكاك الحضارات، وسهولة التناول، حيث صار العالم قرية واحدة، مما يستدعي ضرورة بيان ما يجب على المسلم تجاه إرث الآخرين سلباً وإيجاباً، وأخذاً وتركاً، وربْطُ ذلك كله بهدي الرسول ؛ يجعل لدى المسلمين أفراداً ومجتمعات؛ قواعد وثوابت للتعامل مع هذا الإرث، وهو من الأهمية بمكان.

الدراسات السابقة.
تعدُّ دراسة موضوع (السنة النبوية والإفادة من تجارب الآخرين "دلالة تميز ومظهر إبداع") بكرا في بابها؛ إذ لم يسبق لأحد -حسب علم الباحث- طرق بابه من جانب السنة النبوية المطهرة، فضلا عن أن يتحدد بزاوية أدق كصناعة التميز وتنمية المهارات، إلا أن هناك دراسات تشترك مع موضوعنا هذا في بعض الجوانب والمسائل المحددة، من هذه الدراسات ما يأتي:
1- (التميز في ضوء السنة النبوية، دراسة موضوعية)، تقدمت بها الباحثة مها أبو نمر للحصول على درجة الماجستير في الحديث الشريف وعلومه من كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة، إشراف الدكتور زكريا صبحي زين الدين، العام الجامعي ١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م.
وكما يظهر من مباحث هذه الدراسة فإن (التميز) المعني فيها يشمل وجهين:
ا- معنى الانفصال، والتزيل، والبراء، وعدم مشابهة الكفار، وهذا المنحى مختلف تماماً عن موضوعنا، ولا يمت لما نحن بصدده بصلة.
ب- معنى الإبداع والذكاء والتفوق، وهذا وإن كان يشترك مع موضوعنا من حيث المعنى؛ إلا أن ميدانه مختلف تماماً عن ميدان بحثنا، فهو -إذن- بعيد كل البعد من حيث المادة المطروحة وميدان البحث، فضلا عن عدم تعرضه لشيء من تميزه  في مجال الإفادة من تجارب الآخرين، لذا لم أفد من الدراسة السابقة شيئاً يذكر.
-2 (الاستفادة من مخترعات وتجارب غير المسلمين، في ضوء السنة النبوية، دراسة حديثية) د. إبراهيم بن حماد الريس، نشر في مجلة الدراسات الإسلامية، عام 1427هـ، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض.
وقد أفدت من هذه الدراسة فيما يتعلق ببعض العلوم التي استخدمها الرسول  وأفادها من الآخرين في مسائل محدودة، كعلوم الطب، والشئون العسكرية، وحكم الإفادة من الآخرين وعلومهم، بيد أن الدراسة غير شاملة لجميع أبواب الموضوع أولاً، كما أن مباحثها تركزت على الإفادة من تجارب الآخرين دون الاعتناء بإبراز مواطن التميز والإبداع الذين انطوى عليهما منهجه  في التعامل مع الأمور كلها.





الجديد في الموضوع
تعرضت هذه الدراسة لموضوع حديث في شكله أصيل في بابه، جمع بين أهمية استبصار هدايات سنة الرسول ، وبين ما يلزم المسلم من موقف تجاه المستجدات الضرورية والنضوج المرحلي الذي يمرُّ به أبناء البشرية جمعاء، وقد تنوع الجديد في الدراسة ليشمل ما يأتي:
- التركيز على إبراز المنهج النبوي وتجلياته في الإفادة من تجارب الآخرين، حيث أفاد  من تجارب الأصدقاء والأعداء على السواء.
مثال على ذلك؛ فقد قصدت بمصطلح (الآخرين) كل من هو غير الرسول، فشمل المسلمين والكفار، والسابقين والمعاصرين له ، فذكرت -بالإضافة إلى أفادته  من الكفار في مواقف كثيرة- كيف استطاع   أن ينمي مواهب أصحابه، ويفجر طاقاتهم من خلال مشاورتهم وحثهم على الإدلاء بآرائهم، كما كان من أمر الحباب بن المنذر في منزل بدر، وكيف أفاد  من أم سلمة في الحديبية، وكيف أفاد من نعيم بن مسعود في الأحزاب، وغيرها.
- قمت بإدخال عناصر جديدة في مادة (تجارب الآخرين) لم تدخل من قبل، مثل: القرآن وتجارب الآخرين، الإسلام لا يلغي غيره،  إقرار النبي  لكثير من عادات الجاهلية، نعت أخبار الأمم السابقة، انفتاح النبي  على بيئته، الإفادة من ميراث السابقين، توظيف المهارات والمواهب..الخ. وحتى العناصر التي كانت مادتها مطروحة لدى البحث من قبل؛ فقد اضطررت لإخراجها بشكل جديد؛ يتماشى مع هدف البحث العام؛ الذي يرمي إلى إظهار مهارة التميز، وتنمية المواهب في السنة النبوية، مثال ذلك: ما أودعته فيه من السماح للنساء بإفادة الطب من غير المسلمين، وهي قيمة اجتماعية ذات دلالة مزدوجة؛ تفيد جواز تعلم النساء الطب من وجه، وتعلم النساء الطب من الرجال وإن كانوا كفاراً من وجه آخر... الخ.
- بيان السبق الحضاري للسنة النبوية في مجال الإفادة من تجارب الآخرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حاولت إبراز قيمة اجتماعية مهمة؛ تتمثل في أمر النبي  الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية تعيلم حفصة أم المؤمنين الكتابة، وهو من أقدم الإشارات الإنسانية في مجال تعليم المرأة، وهكذا.

تمهيد
مهارة الإفادة من تجارب الآخرين في الإسلام خلق أصيل، عززه القرآن، وجسدته السنة المطهرة، وعمل به الصحابة الكرام، ويعدُّ معلما بارزا من معالم التاريخ الإسلامي وأعمدته المهمة، ذلك أن الخبرة الإنسانية إرث مشترك، يتلقاه اللاحق عن السابق، ويسهم فيه كل جيل بما لديه من قدرات واستعدادات وفق شخصيته وحضارته؛ من أجل بناء حضارة الإنسان على مدّ التاريخ الإنساني كله.
أولاً: القرآن الكريم وتجارب الآخرين
         لقد لفت القرآن الكريم أنظارنا إلى ضرورة الإفادة من التاريخ ودراسة تجارب الأمم السابقة، والوقوف على مواطن الخطأ والصواب، فقال تعالىﭽ ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ    ﮛ  ﮜ  ﮝ  ﮞ  ﮟ     ﮠ          ﮡ  ﮢ        ﭼ آل عمران: ١٣٧ ، كما أرشدنا إلى حاجة كل إنسان لعلم أخيه الإنسان الذي سبقه، فالخبرات والعلوم لم تولد معنا، قال : ﭽ ﯤ   ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ   ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ  ﯳ   ﭼ النحل: ٧٨ ، والعاقل لا يبدأ من الصفر.
   من هنا فقد أفرد الله تعالى لمهارة الإفادة من تجارب الآخرين مساحة كبيرة في كتابه المعجز، وفيه دلالة على العناية والاهتمام الكبيرين به، وذلك عن طريق أخذ العبرة من قصص السابقين تارة، فقال :ﭽ ﯫ  ﯬ        ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱﯲ  ﯳ  ﯴ              ﯵ  ﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ     ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁ      ﰂ    ﭼ يوسف:١١١ . وتارة عن طريق الإشارة إلى المشاهد الداعية للتعلم من خبرات الغير وتجاربهم، قال تعالى:ﭽﯫ  ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ  ﯰ  ﯱ  ﯲ          ﯳ   ﯴ  ﯵﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ   ﯾ  ﯿ  ﰀ  ﰁﰂ  ﰃ  ﰄ  ﰅ    ﭼ المائدة:٣١
    وفي الآية حكم على أن العاجز من لا يستطيع محاكاة الظواهر أمامه، وهو أدنى درجات التعلم، وما أصدق ابن عاشور حين قال: "وهذا المشهد العظيم هو مشهد أوّل حضارة في البشر ، وهي من قبيل طلب سَتر المشاهد المكروهة . وهو أيضاً مشهد أوّل علمٍ اكتسبه البشر بالتّقليد وبالتَّجربة ، وهو أيضاً مشهد أوّل مظاهر تَلقّي البشر معارفه من عوالم أضعفَ منه كما تَشَبَّه النَّاس بالحيوان في الزينة ، فلبسوا الجُلُود الحسنة الملوّنة وتكلّلوا بالريش المُلوّن وبالزهور والحجارة الكريمة، فكم في هذه الآية من عبرة للتَّاريخ والدّين والخُلُق"( ) .
      كما أكد القرآن الكريم -عن طريق بسط قصص الأنبياء والصالحين- على وجود نماذج كريمة، وتجارب إنسانية سابقة يُقتدى بها، وهو من قبيل الإبقاء على التجارب والإفادة منها، قال تعالى: ﭽﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﭼ الأنعام: ٩٠ ، ولما ألغى كل فريق من اليهود والنصارى الآخر واتصف بالانغلاق على ما عنده، وجه لهم القرآن أنواعاً من التوبيخ والملامة والذم لجهلهم، قال تعالى:  ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ   ﭙ  ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟﭠ  ﭡ  ﭢ   ﭣ  ﭤ    ﭥ  ﭦ  ﭧﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ   ﭮ  ﭯ     ﭰ  ﭱ   ﭼ البقرة: ١١٣  .
     وعلى العكس من ذلك تماماً، فقد أثنى سبحانه على قوم نظروا في الكلام ومعناه، ولم يقتصروا على النظر إلى مصدره، بل أخذوا طيبه وأفادوا منه، وتركوا سيئه فكفوا شره: فقال  ﭽﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘﭼ الزمر: ١٨ ، قال الألوسي في تفسيرها: "..وقيل يستمعون القول ممن كان، فيتبعون أولاه بالقبول وأرشده إلى الحق، ويلزم من وصفهم بذلك أنهم يميزون القبيح من الحسن ويجتنبون القبيح"( )، فالله سبحانه لم يضف القول لأحد، من أجل فتح ميدان الإفادة من كل جهة لديها إضافة خير، وهو منحى متميز في الدعوة إلى أخذ الحكمة والإفادة منها.
ثانياً: الإسلام لا يلغي الآخرين
الإسلام متمثلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة حاور الآخرين وذكرهم ووصف أحوالهم وبين موقفه من التعامل معهم عقيدة وشريعة، ومعاملة وطعاما وزواجا وشعورا، وغيرها من مناحي الحياة المختلفة فهو يعترف بالآخر، ويقر بوجوده على نحو لا لبس فيه، وهذا يعني أن الحالة الإسلامية هي حالة قبول الآخر ضمن أطر واضحة ومحددة، وهذا القبول بالآخر لم يكن منطلقه من حالة طارئة بل منطلق أساسا من الخط الفكري القرآني، وهذا يعني أن الإسلام يبحث عن نقاط اللقاء مع الآخرين ليحاورهم ويتحدث إليهم، ويجسد معنى التشاور والرأي الآخر، ويرسخ مفاهيم الحوار العقلاني الذي لا يلغي الآخر، أو يهمشه، أو يتجاوزه، أو يسفهه. قال سبحانه ﭽ  ﭒ    ﭓ  ﭔ  ﭕ  ﭖ  ﭗ  ﭘ  ﭙ  ﭚ     ﭛ    ﭜ  ﭝﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ  ﭤ    ﭥ  ﭦ  ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ    ﭼ العنكبوت: ٤٦.
وفي هذا السياق نجد أن القرآن الكريم أورد ذكر اسم المسيح عيسى بن مريم  خمس وعشرين مرة، في حين أن النبي محمد لم يذكر إلا خمس مرات فحسب، وكذلك ذكرت مريم عليها السلام فى القرآن أكثر مما ذكرت فى الإنجيل.
والإسلام يعترف بالأنبياء -عليهم السلام- جميعاً، وكتبهم، وشرائعهم، ويدعو المسلمين إلى الإيمان بكل ذلك، بل إن الإسلام أقرَ بعضاً من عادات العرب الجاهليين وأعرافهم التي لا تتعارض مع مقاصده وكلياته.
ولقد انتهى الأمر إلى أبعد من ذلك، فقد كان نتاج التفاعل الحضاري بين المسلمين وغيرهم أن دخلت إلى المنظومة الثقافية الإسلامية جملة من الجزئيات التي كان هناك مصلحة ما  من دخولها، كاشتمال العربية على كلمات من لغات غير عربية كالفارسية والحبشية، واستخدام القرآن لهذه الكلمات على رأي من قال بذلك( )، وحتى لو لم يحتو القرآن على أي مفردة غير عربية، كما ذهب إلى ذلك علماء آخرون، اعتماداً على دلائل اقتنعوا بها، فإن الرأي الذي يرى احتواء القرآن على كلمات غير عربية، إنما يتكئ على الأصل العام الذي قام عليه الإسلام، في هذا الصدد، وهو جواز الإفادة من الآخر، بل وجوب هذه الإفادة إذا كان الأمر المطلوب لن يتحقق إلا بها، وعلى قاعدة (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
ثالثاً: عادات أقرها الإسلام
جاء الإسلام وغايته الكبرى اجتثاث الوثنية ونقض كافة مظاهرها، إلا أنه لم يناقضها من كل جهة، ولم يأت لاستئصال كل ما اثر عن الجاهلية، بل جاء بغربال استبعد ما هو سيء وأبقى ما هو حسن، وأفاد منه، قال سبحانه ﭽ ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭﮮ   ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓﯔ  ﯕ  ﯖ  ﯗ  ﯘ ﭼ الزمر: ١٨.
بعث الرسول وكان للعرب ثقافة وخصائص وأعراف أقر بعضها، ولم ينقضها أو يزيلها كاملة لتوافر ملامح صلاح حياة الناس وسعادتهم فيها، ومن هذه الأمور ما يلي:
أ: القسامة
فقد حكم بها العرب في جاهليتهم، ومعناها أنه إذا قُتِل قتيل في بلد ولم يُعرف قاتله ، يختار ولي القتيل خمسين من أهل هذا البلد ويقسمون بأنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يقضى بالدية على أهل المحلة جميعاً، فلما جاء الإسلام أبقى على هذا العرف أو هذا القانون، ولم يحدث به تغييراً، وفي الصحيح: (أقر النبي  القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية) .
ب: إيواء المستجير
وهو عرف عربي قديم، وخلق قويم، استخدمه الرسول  ورضيه، بل لما رجع  من الطائف لم يستطع دخول مكة إلا في جوار المطعم ابن عدي الذي "لبس سلاحه هو وبنوه ستة أو سبعة، فقال لرسول الله : طف، واحتبوا بحمائل سيوفهم بالمطاف فأقبل أبو سفيان إلى المطعم بن عدي فقال: أمجير أم تابع ؟ قال: بل مجير،قال: إذن لا تخفر، قد أجرنا من أجرت" .
وقد حفظ رسول الله  للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدر : ( لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم له) .
وأجار ابن الدغنة أبا بكر وقال لقريش: (أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ).
جـ: السقاية والرفادة ونصرة المظلوم
بُعث رسولُ الله  وقريش لها سدانة الكعبة والسقاية فأقرها كما هي، بل أبقى السدانة في بني شيبة كما كانت في الجاهلية، فقد ذكر ابن حجر أنه  بعد أن صلى في الكعبة بعد الفتح خرج فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه مفتاح الكعبة ، وذكر الصالحي ما أحدثت الجاهلية قبل الإسلام فقال: "وقصي أحدث وقود النار بالمزدلفة ليراها من دفع من عرفة، وقسم قصي مكارمه بين ولده، فأعطى عبد مناف السقاية والندوة،... وأعطى عبد الدار الحجابة واللواء، وأعطى عبد العزى الرفادة والضيافة أيام منى، فكانوا لا يجيزون إلا بأمره، ومات قصي بمكة، ودفن بالحجون، فتدافن الناس بعده بالحجون .
وكانت الحجابة في بني شيبه في الجاهلية فأبقاها بأيديهم، وقد ألغى الرسول  مآثر الجاهلية وثاراتها واستثنى سقاية الحاج وسدنة البيت فاستبقاهما.
وأثر عن الرسول  في مجال الأخلاق قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)  فهو متمم لا مبدئ.
ومما أقره رسول الله  من أخلاق الجاهلية ـ مثلاً ـ نصرة المظلوم، فقد حضر وهو صغير ماسمي بحلف الفضول الذي تم التعاهد فيه على رد المظالم ونصرة المظلوم، وقال فيه : (لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي فيه حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت) .
ومن مظاهر تميز السنة النبوية في هذا المجال: الإبقاء على الصالح من الأخلاق، ورفض ما ينافي ذلك من مآثر الجاهلية وثاراتها وهي كثيرة.

المبحث الأول: من مظاهر تميز النبي وإبداعه.
المطلب الأول: انفتاح النبي على بيئته
أراد الله لنبيه  مكانة عليا، ومهمة عظمى، يخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ويحيي بها ما اندثر من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، فهيأ له أسباب التميز والإبداع، ومنحه زيادة فطنة وذكاء، ومن مظاهر ذلك ما يأتي:
الفرع الأول: مخالطة أهل الخبرة
لم ينعزل النبي  في كوكب منفرد عن بيئة قومه وعشيرته، بل سافر وتجول صغيراً مع عمه وسمع ممن هو أكبر منه من أشياخ قريش ومن حولهم من القبائل، حيث اطلع على تجارب الآخرين وخبرتهم، وتمكن من الاستفادة من آرائهم، فهم أصحاب خبرة ودراية وتجربة لم يمر بها النبي في سنه تلك.
ولأمر ما قدر الله له أن يترعرع في بادية بني سعد، حيث أكسبه ذلك تنوعا في معرفة لهجات العرب وزيادة في الفصاحة والبلاغة، لذلك لما كان يأتي إليه وفد من أي قبيلة كان يكلم الوفد بلهجته.
وإضافة لذلك فقد تعلم عندهم الرماية وركوب الخيل والسباحة، ومر ذات يوم على بئر فتبسم، فقيل: ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: هنا تعلم نبيكم السباحة.
وهذه الخبرات ساهمت في بناء شخصيته ، فلما أكرمه  بالرسالة فيما بعد ساعده ذلك في معرفة حقيقة ما يفكر به الأعراب والمشركون واليهود والمنافقون وسائر القوى التي تحيط بالمسلمين، ومعرفة طبيعة تركيبتهم السياسية والاجتماعية وواقعهم الثقافي والاقتصادي، ثم معرفة أساليبهم وطموحاتهم وطريقتهم في الحياة، وبالتالي معالجة مواقفهم والوصول إلى قناعاتهم وقلوبهم.
ومن ثمَ فقد أفاد  وصحابته من قوانين وعادات المجتمع المشرك، ومن ذلك دخول عدد منهم في جوار وحماية بعض كبراء قريش المشركين ففي السيرة: لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه الى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى المطعم بن عدي فأجابه الى ذلك ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث الى رسول الله  أن أدخل فدخل رسول الله  فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف الى منزله( )
إذ يعدُ هذا الجانب من مهمات العرب وثوابتهم.
وقد أثبتت له التجربة الحسية في أكثر من موضع معرفة دقيقة بما ينطوون عليه من غدر وخيانة، وما يحملونه من روح أنانية وتآمرية حاقدة وشريرة وغير ذلك من أوضاع وحالات.

الفرع الثاني: شورى النبي  للناس
1-  استشارة أهل العلم والخبرة
الشورى باب عظيم من أبواب مشاركة الناس في عقولهم والاستعانة بخبراتهم، قال ابن عطية: (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام)( )، وقد أفاد منها  أيما إفادة، فبالإضافة إلى أفادته  من الكفار فقد فجر طاقات أنصاره وأتباعه ومحبيه من الصحابة والمقربين وأفاد منهم، فسمح لخديجة رضي الله عنها بسؤال ورقة بن نوفل والاطمئنان إلى كلامه، واللجوء إلى خديجة أيضا في مواجهة ما يرعبه في أول الدعوة، والجنوح إلى رأي الحباب  في بدر، ورأي السعدين رضي  الله عنهما في ثمار المدينة، ومشاورته الناس في بدر وفي شتى مناحي حياته  كما سنرى بعد قليل.
ولسنا هنا بصدد الكلام حول أهمية الشورى ووجوبها ومواظبة النبي  على فعلها فهذا أمر مستفيض ومفروغ منه في سنته  في كل ما لم يكن قطعي الدلالة والثبوت من صريح القرآن أو صحيح السنة، فعن أبي هريرة : (ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله  ( ).
إنما ما يشار إليه في هذا المقام محاولة الاطلاع على قطعة خالدة من توجيهاته وممارساته  فيما يتصل بكيفية توظيف هذا الباب والإفادة منه على أكمل وجه.
2-  نماذج من مشاورته  لأصحابه:
- في غزوة بدر حيث خص الصحابة بالعديد من مواقف المشورة، ومن براعته هنا أنه حرص على استنطاق الأنصار قبل الدخول في المعركة، لأن هذا الحدث خارج حدود المدينة ولم يكن داخلاً في بنود بيعتهم، فقالوا : (يا رسول الله لو استعرضت بنا البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ولكن نقول اذهب فنحن معك وبين يديك، وعن يمينك وشمالك مقاتلون).
ولما أشار الحباب بن المنذر في اختيار مقر الجيش أخذ برأيه.
وشاور الصحابة  في أمر الأسرى وأخذ برأي أبي بكر.
- وفي غزوة أحد نزل عند رأي الأكثرية في الخروج من المدينة، بالرغم من ميله  للبقاء فيها، ولما كلموه في البقاء قال: (لا ينبغي لنبي يلبس لامته فيضعها حتى يحكم الله)( ).
- ويوم الخندق تراجع  عن رأيه في مصالحة الأحزاب على ثلث ثمار المدينة، لرأي سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وكان الأنصار  أولى بالشورى هنا لأن النخيل يخصهم.
- وفي خبر الحديبية: أمر  أصحابه بالحلق فما قام منهم أحد، عندئذ دخل على أم سلمة ا فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك؟ فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا( )
3- من مظاهر تميز السنة النبوية في الشورى:
كل ما تقدم على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فسنة الرسول  ثرية بنماذج كثيرة غيرها، وجميعها تبدو عليها ملامح العبقرية النبوية والتميز الإنساني في التفكير والعمل معا، فقد استطاع  بألمعيته وفطنته الإفادة من علم أهل الخبرة باستخدام أسلوب التشاور الذي أدى إلى اكتشاف قدرات الناس وتمييز الناصح من غيره. لأنه يصعب الإفادة من أصحاب المواهب والقدرات إلا عن طريق احترام عقولهم وتأليف قلوبهم وتقريبهم وشحذ هممهم، وكل هذا يتحقق بتطبيق مبدأ الشورى الذي اتبعه ، علما بأنه مؤيد من ربه  فغيره أشد حاجة له، قال ابن تيمية: (لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإنّ الله تعالى أمر بها نبيه  فقال  ﭽ  ﭩ  ﭪ  ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ  ﭯﭰﭼ آل عمران: ١٥٩ ( )
المطلب الثاني: الاعتماد على الكفار في مهمات خطيرة
الفرع الأول: الإفادة منهم في الهجرة
وقائع الهجرة الشريفة والتدابير التي اتخذها الرسول فيها شواهد ناصعة تحكي عبقريته وحكمته  وتميزه، حيث استطاع  تجييش كل الإمكانات المتاحة لإنجاح هذه الخطة وتنفيذها على أحسن وجه، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير، وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً،
فكم من مهارة إنسية اشتركت في انجاز عمل الهجرة! الرسول  وأبو بكر وعلي وأسماء وعبدالله بن أبي بكر، وعامر، وعبدالله بن أريقط وسراقة، عدا عن اختيار الموقع والطريق والغار وسائر ركائز التخطيط المهمة .
عَنْ عَائِشَةَ ا: " وَاسْتَأْجَرَ  وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ... وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ "( )
ونلاحظ -هنا- أن الرسول  وأبا بكر  قد أفادا من خبرة عبدالله بن أريقط الليثي بالطريق عند هجرتهما من مكة إلى المدينة، رغم بقائه على الشرك آنذاك.
الفرع الثاني: استئمانهم واستنصاحهم:
رأينا قبل قليل كيف أنه  أفاد من الغير ومنهم مشركون، في موقف عظيم من مواقف السيرة النبوية، وهو الهجرة الشريفة، وأعداؤه يترصدون به ويفتشون عنه، ومع ذلك فقد استأمن رجلاً من المشركين واطمأن له وأنس بخبره وخبرته وسار معه في طريق الهجرة متخفياً عن أعين المشركين الذين رصدوا الجوائز الباهظة لمن يأتي بخبره .
كما انه  استأمن قبيلة من المشركين وجعلهم موضع النصح له والأمانة على سره، وهي قبيلة خزاعة، فقد أفاد  من وجودهم في مكة واطلاعهم على أسرار قريش ونواياهم.
ومعبد بن أبي معبد الخزاعي هو الذي خذل قريشاً وخوفهم المسلمين في حمراء الأسد، ومعبد يومئذ مشرك، وكانت خزاعة كلهم مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله  بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها.( )
الفرع الثالث: الإفادة منهم في النصرة
عاش النبي  عظيماً مأموناً محبوباً قريباً، لم يقطع وشائج قرابته ورحمه، حتى ولو كانوا على غير دينه، فإصرار عمه أبي طالب على الشرك، والتزامه بملة الأعداء؛ لم يمنعه  من الإفادة من مكانته وجاهه والاستئثار بحمايته والذود عنه، فقد استأمنه وأخذ برأيه ومشورته وقَبِل مساندته ومناصرته، واطمأن إليه وشكى له، لذا كانت وفاة عمه أبي طالب عام حزنٍ له ، وشعورٍ منه بفقد حامٍ ذي  شكيمة، ومساندٍ له بالجاه والرأي والقوة.
ولم يعدم  رجلاً من أقاربه الأدنون؛ حتى ولو كان لا يزال مشركا؛ يفاوض أهل البيعة ويشترط لابن أخيه، فهذا العباس يستوثق من الأنصار ويأخذ عليهم العهود والمواثيق، جاء في السيرة: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله  حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج؛ قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج؛ خزرجها وأوسها، إن محمدا منا حيث قد علمتم..الخ)( )، وهذا بعض من شمائله ؛ إذ له الجلال والمقام المحمود.
المطلب الثالث: المعرفة العميقة سبيل للإفادة من الآخرين.
أولاً:الحرب خدعة
في غزوة الأحزاب ساقت الأقدار نعيم بن مسعود الأشجعي وكان صديقا لقريش ولليهود لأن يسلم في أصعب الظروف، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، ولم يعلم قومي بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله : (إنما أنت رجل واحد من غطفان، فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب إلينا من بقائك، فاخرج فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بْن مسعود حتى أتى الأحزاب وخذل بينهم).( )
وهنا أيضا تواردت الحكمة النبوية والبراعة المحمدية، فطرة وبداهة، لأن يتنبه لأمر دقيق وهو الإفادة من أقصى طاقات هذا الرجل، وما يمكن أن يقوم به وحده، فأرشده  لمهمة رائعة من رجل واحد، ولا غرو؛ فهو  قائد لوذعي، ونبي متفوق أمين.
ثانياً: نعت أخبار الأمم السابقة
منَ الله على رسوله  فأطلعه على كثير من خبرات الأمم السابقة، فأفاد منها بحكمته، وهضمها بفطنته، ووظفها فيما ينفع الناس ويسعدهم، وورد من ذلك الكثير، اقتصر منه على ما يلي:
- قال : (انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم..) الخ الحديث( ).
- وثبت عنه  أنه قال: (إنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ، رَغَسَهُ  اللهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْراً قطُّ، فإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللهُ عَزّوَجَلّ فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ).( ).
- وعن الزبيري عن الْحَسَنَ، يَقُولُ: (إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَبُّكُمْ: «قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)( ).
- وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ "( )
فهذه نماذج من نقله الوفير عن السابقين، وفيها من الدروس التربوية، والمغازي الجليلة التي جاءت على سبيل والعظة والاعتبار، بالإضافة إلى تميزه من حيث أسلوبه في توظيفها والإفادة منها، فيختار الوقت المناسب، والمكان المناسب، والجمهور المناسب لكل حديث.
ثالثاً: توظيف المواهب واكتشاف خبرات الآخرين
عملُ الرسول  منضبط بسنن الله ونواميسه في الكون، فاستغل ساحة الدعوة ليخرج منها ثماراً يانعة في فترة وجيزة وبفاعلية وقدرة ليس لهما نظير  في حياة البشر، وكان  دائب الإفادة من خبرات الآخرين، سواء كان ذلك في المعاني أو في الماديات
وفي خبرة الرسول  بالناس عامة ودرايته بأصحاب المواهب والقدرات الفاعلة والمؤثرة وندرتهم بين الناس قال : (تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً)( ).
لذا فقد اكتشف هذه المواهب والقدرات بين أصحابه واستثمرها في عملية بناء المجتمع وبنائه، ووضع
كل واحد منهم في المجال الذي يناسب تفوقه وتميزه، قال  (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)( )
ولمعرفته  بالشعوب وما يصلح لهم من الرجال؛ فقد أرسل لأهل اليمن أعلم الصحابة كمعلم لهم وهو معاذ بن جبل، وأرسل إلى نجران علي بن أبي طالب، وأرسل إلى الغرب منها أبا موسى الأشعري، وأوفد قبل ذلك مصعب بن عمير سفيراً إلى المدينة المنورة؛ ففتحها بالدعوة والتعليم.
وفي السياق ذاته فقد اختار بلالاً للآذان لأنه أندى الصحابة صوتاً، وقال لأبي موسى واختار ثابت بن قيس ابن شماس خطيباً لأنه جهوري الصوت بليغ العبارة، واختار أصحاب البداهة والفصاحة والوسامة لكي يكونوا رسله إلى الملوك والأمراء؛ كدحية الكلبي، وعبدالله بن حذافة السهمي، وعمرو بن العاص، وعمرو بن أمية الضمري، وحاطب بن أبي بلتعة، واختار لقيادة الكتائب والجيوش خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وأسامة بن زيد، لأنهم كانوا أكثر الصحابة قدرة على القتال، وأملكهم لفنونه وهكذا.
ومن نباهته : معرفة خير الرجال لنسائهم واحتفاظه لأهله بما هو خير عندهم وتركه ما يشين منهم، حيث أفاد  من كل ذلك فأخذ بالأحسن من أخلاقهم، وترك ما به بأس.
قَالَتْ عَائِشَةُ ا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ) وفي رواية (إلا أنه طلقها، وإني لا أطلقك). وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة ا (يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع لأم زرع) ( ).
يلاحظ كما أسلفت أن إفادة النبي  من خبرته السابقة تتصل بجهتين:
- معرفته العميقة بأصحابه وأحوالهم وميولهم وتخصصاتهم، وحتى فيما يخص سيرتهم الشخصية مع أهلهم وأزواجهم.
- معرفته بالأقوام الذين سيرسل إليهم هؤلاء الرسل، وإلا لما استطاع أن يوافق صلاحهم وخيرهم حتى وإن عرف أحوال أصحابه ومناقبهم.
ويعدُ هذا المنحى الذَي اصطبغ به منهجه  غاية في الروعة والجمال، لأنه راعى فيه أحوال الرجال المرسلين وأحوال الشعوب المستهدفة من الإرسال في آن واحد.
ومثال ذلك أنه  استفاد من معرفته بالنجاشي ملك الحبشة بأنه عادل لا يظلم فأرشد المستضعفين عنده وإرسلهم للجوء إلى بلاده عندما أشتد الإيذاء لهم، قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ  مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ بِمَكَانِهِ مِنْ اللّهِ وَمِنْ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ قَالَ لَهُمْ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ لَكُمْ فَرَجًا.( )
فأخبرهم بصفات حاكم تلك البلاد ودولته، وهذه دقائق تحتاج لمعرفة واسعة وثقافة متعمقة، ووعي سياسي فذ.
ولما طلب منه أبو ذر  وظيفة لا تناسب ملكاته وقدراته، لم يستجب لطلبه بل نصحه بالابتعاد عنها وقال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)( ) وهذا يعود لمعرفته  بالفروق الفردية التي تميز كل فرد عن الآخر، وهو جانب من تميزه  وخبرته.
وفي هذا الإطار فقد استدل الرسول   بفطنته وبراعته على اختيار من كان انسب لتعلم اللغة السريانية، فاختار لهذا الشأن زيد بن ثابت.
رابعاً: تمثله  لأقوال غيره
لقد أطلع الله نبيه  على الخبرات التي مرت بالسابقين، فكان مطلعا بارعا وقام بتوظيفها في تربية أمته وبناء نسيجها لتكون أمثلة شاهدة لأمته؛ تجتنب سيئها وتتبع أحسنها.
لذالم يأل رسول الله جهداً في هضم أقوال السابقين وفهمها وردها لأصحابها وتمثلها في المناسبات والاستشهاد بها في مقامها والإفادة منها، سواء ذكرت في القرآن الكريم أم في غيره، وهي كثيرة؛ أذكر منها: تمثله  لقول عيسى في القرآن، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ا قَالَ: (خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ  فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»، ثُمَّ قَالَ: ﭽ  ﭯ    ﭰ  ﭱ  ﭲ  ﭳﭴ  ﭵ  ﭶﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ ﭼ الأنبياء: ١٠٤  ثُمَّ قَالَ: " أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: ﭽ ﯛ    ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ      ﯥ  ﯦ      ﯧﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ           ﯬ  ﯭﭼ المائدة: ١١٧ فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ )( ).
وجه الشاهد فيه: أنه استحضر في الوقت المناسب قول أخيه عيسى  من القرآن الكريم، وهو ضرب من تميزه وقوة قريحته.
ومنها: نقده  للشعر؛ فقال: (إن من الشعر لحكمة)( ) ونقد الشعراء؛ فقال للنابغة الجعدي إعجابا بشعره: (لا يفضض الله فاك)( )
عَنْ عَائِشَةَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: (اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: اهْجُهُمْ فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  يَقُولُ: هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى)( )
عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:  ألا كل شيء ماخلا الله باطل)( ).
روى النسائي عَنْ عَائِشَةَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ  إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ تَمَثَّلَ بِقَافِيَةِ طَرَفَةَ: وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ)( ).
وكان  يعجبه كلام بعض المشركين ويعجب به، وكثيرًا ما كان يستنشد شعر أمية بن أبي الصلت ويستزيد حتى أنشد مرة مائة قافية، فعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: (ردفت النبى  فقال: هل معك من شعر أمية شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتاً، فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت، فقال: إن كاد ليسلم) .
يتبين من كل ذلك طرفاً من تميزه وعبقريته ، وأن لديه قريحة فياضة، وقوة حافظة، ونظرة ناقدة لما يقوله الآخرون، لا تكاد تسلم زمامها لأحد مثل ما كانت له .

المبحث الثاني: الإفادة من أفكار الآخرين وعلومهم
المطلب الأول: محاربة الخرافات بعلوم فارس والروم
التجربة أكبر برهان وقد استخدمها النبي  ببراعة فائقة في التصدي لما شاع حول أمور تعتمد على الظن ليس إلا، ومن ذلك ما عرف بالغيلة.
جاء في التحفة: كان العرب يحترزون عن الغيلة ويزعمون أنها تضر الولد، وكان ذلك من المشهورات الذائعة عندهم، فأراد النبي أن ينهى عنها لذلك، فرأى أن فارس والروم يفعلون ذلك ولا يبالون به، ثم إنه لا يعود على أولادهم بضرر فلم ينه عنه.( )
وفيه ملحظ عظيم للنبي حيث احتج بفعل الكفار على صحة العمل وسلامته من واقع الحال والخبرة.
وفي الحديث: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ( )حَتّى ذَكَرْتُ أَنّ الرّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرّ أَوْلاَدَهُمْ(
المطلب الثاني: الإفادة من علم المتعلمين
كان  حريصا على نشر العلم ووسائله فقد وردت روايات تفيد أن تعليم القراءة والكتابة كان ضمن النشاطات التي كان لها أهمية في مسجد المدينة، وأن ممن تولى هذه المهمة عبادة بن الصامت، قال : (علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن)( ).
وقد وردت إشارة عما يسمى بـ (دار القراء) في المدينة، وكانت قائمة بعد بدر الكبرى ( ).
وأمر  المشركين في بدر الذين لا يجدون ما يفتدون به أن يعلم الواحد منهم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ويطلق سراحهم في مقابل ذلك.
فاستفاد منهم  تعليم عشرة من غلمان الأنصار الكتابة مقابل فدائهم، وممن تعلم منهم زيد بن ثابت  في جماعة من غلمان الأنصار( ).
وقد وردت أخبار عن رواد التعليم في ذلك العصر، فقد كان الحكم بن سعيد بن العاص الأموي  كاتبا، فأمره النبي  أن يعلم الكتاب بالمدينة.. وكان يعلم الحكمة أيضا( ).
ومن هؤلاء الرواد عبد الله بن سعيد بن العاص الذي أمره النبي  أن يعلم الكتاب بالمدينة، وكان كاتباً، وقضى يوم بدر شهيداً ( )، وفي هذا دلالة على أن الأمر بالتعليم كان قبل بدر.
وكانت الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية ا من أوائل المهاجرات، وقد أمرها النبي  أن تعلم حفصة أم المؤمنين الكتابة، وهذه أقدم إشارة إلى تعليم المرأة المسلمة الكتابة( ). وكان سعد بن عبادة   زعيم الخزرج يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي، فكان يقال له الكامل ( )
وثمت ملحظ مميز في سيرته   يخص الأمر بالتعلم والتعليم، يتمثل في وجود هذه العناية المحمدية بهما في بواكير دولته وأعماله أيضاً، حتى كان بعضها قبل بدر أو قريباً من وقتها، إشارة منه  إلى أهمية العلم، وإلى شموله للرجال والنساء على السواء.
المطلب الثالث: الاستطباب لدى الكفار
عن سعد بن أبي وقاص  قال مرضت مرضاً شديداً، فجاءني رسول الله -- يعودني فوضع يده بين ثدييَّ حتى وجدت بردها على فؤادي فقال: ((إنك رجل مفؤد، إئت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب فمره فليأخذ سبع تمرات عجوة من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن( ).
فهذا الخبر وإن كان في إسناده من لم يعرف، إلا أنه يندرج ضمن القواعد العامة للإسلام من جواز طلب المنفعة ولو كانت عند غير المسلمين.
ويظهر تميز النبي  هنا من جانبين، الأول: أنه  أرشد المسلمين لأن يستفيدوا من خبرات الناس ولو كانوا كفارا، لأن مثل هذا الإرث مما يشترك فيه الناس جميعا. والجانب الثاني: سعة علمه  في الناس وتخصصاتهم حيث أمر المريض بمراجعة الطبيب المناسب حتى ولو كان كافراً، هذا من جانب، ومن جانب آخر أنه  وصف العلاج المناسب لمرض سعد عندما رآه، فيمكن يكون قد استفاد مثل ذلك من خبراته واحتكاكه بالأطباء كما سيأتي في الخبر التالي.
ومن ذلك –أيضاً- التداوي بعلاجهم:
وذكرت عائشة ا أنه  (كان رجلاً مسقاماً، وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم) وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب، وكانت العجم تنعت له فيتداوى(.(
يتمثل في هذا الخبر براعة هديه ، وتميُّزِ أسلوبه في الإفادة من الغير، وعدم ترك شيء مما ينفع الإنسان إلا وأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السنة النبوية وتجارب الاخرين د. محمد السواعده
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإفادة من تجارب الآخرين 3 : (عادات أقرها الإسلام) د. محمد السواعده
» من مظاهر تميز النبي صلى الله عليه وسلم د. محمد السواعده
» سلسلة الرد على المستشرقين دعوى نولدكه في ترتيب القرآن والأحرف المقطعة إعداد د. محمد السواعده
» المبحث الرابع والخاتمة والنتائج والتوصيات والمراجع والفهرس من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية" د. محمد السواعده
» من شبهات نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) حول جمع القرآن... هل كان عبد الله بن أبي السرح من كتبة الوحي؟؟ د. محمد السواعده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات السواعدة jo :: مــنــتــديــات آل ســواعــده :: مــنــتــدى القبيلة :: الـــــــــــــســـــــــاحـــــــــة الــــــــــعـــــــــــامــــــــــه-
انتقل الى: